سورة فصلت - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


المعنى: أن وقت علم الساعة ومجيئها يرده كل مؤمن متكلم فيه إلى الله عز وجل. وذكر تعالى الثمار وخروجها من الأكمام وحمل الإناث مثالاً لجميع الأشياء، إذ كل شيء خفي فهو في حكم هذين.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي والحسن وطلحة والأعمش: {من ثمرة} بالإفراد على أنه اسم جنس. وقرأ نافع وابن عامر: {ثمرات} بالجمع، واختلف عن عاصم وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والأعرج والحسن بخلاف، وفي مصحف عبد الله: {في ثمرة من أكمامها}. والأكمام: جمع كم، وهو غلاف التمر قبل ظهوره.
وقوله تعالى: {ويوم يناديهم} تقديره: واذكر يوم يناديهم والضمير في: {يناديهم} ظاهره والأسبق فيه أنه يريد به الكفار عبدة الأوثان. ويحتمل أن يريد به كل من عبد من دون الله من إنسان وغيره، وفي هذا ضعف، وإنما الضمير في قوله: {وضل عنهم} فلا احتمال لعودته إلا على الكفار. و: {آنذاك} قال ابن عباس وغيره معناه: أعلمناك {ما منا من شهيد} ولا من يشهد بأن لك شريكاً. {وضل عنهم} أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة والأصنام، ويحتمل أن يريد: {وضل عنهم} الأصنام، أي تلفت لهم فلم يجدوا منها نصراً وتلاشى لهم أمرها.
وقوله: {وظنوا} يحتمل أن يكون متصلاً بما قبله ويكون الوقف عليه، ويكون قوله: {ما لهم من محيص} استئناف نفي أن يكون لهم منجى أو موضع روغان، يقول: حاص الرجل: إذا راغ يطلب النجاة من شيء، ومنه الحديث: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، ويكون الظن على هذا التأويل على بابه، أي ظنوا أن هذه المقالة: {ما منا من شهيد} منجاة لهم، أو أمر يموهون به، ويحتمل أن يكون الوقف في قوله: {من قبل}، ويكون: {وظنوا} منصلاً بقوله: {ما لهم من محيص} أي ظنوا ذلك، ويكون الظن على هذا التأويل بمعنى اليقين وبه فسر السدي، وهذه عبارة يطلقها أهل اللسان على الظن، ولست تجد ذلك إلا فيما علم علماً قوياً وتقرر في النفس ولم يتلبس به بعد، وإلا فمتى تلبس بالشيء وحصل تحت إدراك الحواس فلست تجدهم يوقعون عليه لفظة الظن.
وقوله تعالى: {لا يسئم الإنسان} آيات نزلت في كفار قريش، قيل في الوليد بن المغيرة، وقيل في عتبة بن ربيعة، وجل الآية يعطي أنها نزلت في كفار وإن كان أولها يتضمن خلقاً ربما شارك فيه بعض المؤمنين. و: {دعاء الخير} إضافته المصدر إلى المفعول، والفاعل محذوف تقديره: من دعاء الخير هو. وفي مصحف ابن مسعود: {من دعاء بالخير}. و{الخير} في هذه الآية: المال والصحة، وبذلك تليق الآية بالكافر، وإن قدرناه خير الآخرة فهي للمؤمن، وأما اليأس والقنط على الإطلاق فمن صفة الكافر وحده.
وقوله تعالى: {ليقولن هذا لي} أي بعلمي وبما سعيت، ولا يرى أن النعم إنما هي بتفضل من الله تعالى: {وما أظن الساعة قائمة} قول بيّن فيه الجحد والكفر. ثم يقول هذا الكافر، ولئن كان ثم رجوع كما تقولون، لتكونن لي حال ترضيني من غنى ومال وبنين، فتوعدهم الله تعالى بأنه سيعرفهم بأعمالهم الخبيثة مع إذاقتهم العذاب عليها، فهذا عذاب وخزي. وغلظ العذاب شدته وصعوبته. وقال الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: للكافر أمنيتان، أما في دنياه فهذه: {إن لي عنده للحسنى}. وأما في آخرته: {فيا ليتني كنت تراباً} [النبأ: 40].
قال القاضي أبو محمد: والأماني على الله تعالى وترك الجد في الطاعة مذموم لكل أحد، فقد قال عليه السلام: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله.


ذكر الله تعالى الخلق الذميمة من الإنسان جملة، وهي في الكفار بينه متمكنة، وأما المؤمن في الأغلب فيشكر عند النعمة، وكثيراً ما يصبر عند الشدة.
وقرأ جمهور والناس: {ونأى بجانبه} الهمزة عين الفعل. وقرأ ابن عامر: {وناء} الهمزة لام الفعل، وهي قراءة أبي جعفر، والمعنى فيهما واحد. قال أبو علي: ناء قلب ابن آدم فعل فلع، ومنه قول الشاعر [كثير]: [الطويل]
وكل خليل راءني فهو قائل *** من اجلك هذا هامة اليوم أو غد
ومنه قول الآخر: [الطويل]
وقد شاءني أهل السباق وأمعنوا ***
{ونأى} معناه: بعد ولم يمل إلى شكر ولا طاعة.
وقوله: {فذو دعاء عريض} أي طويل أيضاً، فاستغنى بالصفة الواحدة عن لزيمتها، إذ العرض يقتضي الطول ويتضمنه، ولم يقل طويل، لأن الطويل قد لا يكون عريضاً، ف {عريض} أدل على الكثرة. ثم أمر تعالى نبيه أن يقف قريشاً على هذا الاحتجاج وموضع تغريرهم بأنفسهم فقال: {أرأيتم إن كان} هذا الشرع {من عند الله} وبأمره وخالفتموه أنتم، ألستم على هلكة من قبل الله تعالى، فمن أضل ممن يبقى على مثل هذا الغرر مع الله، وهذا هو الشقاق، ثم وعد تعالى نبيه عليه السلام بأنه سيري الكفار آياته.
واختلف المتأولون في معنى قوله: {في الآفاق وفي أنفسهم} فقال المنهال والسدي وجماعة: هو وعد بما يفتحه الله تعالى على رسوله من الأقطار حول مكة، وفي غير ذلك من الأرض كخيبر ونحوها. {وفي أنفسهم} أراد به فتح مكة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل حسن ينتظم الإعلام بغيب ظهر وجوده بعد كذلك ويجري معه لفظ الاستئناف الذي في الفعل.
وقال الضحاك وقتادة: {سنريهم آياتنا في الآفاق} هو ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديماً {وفي أنفسهم} يوم بدر، وقال ابن زيد وعطاء: {الآفاق}: آفاق السماء. وأراد: الآيات: في الشمس والقمر والرياح وغير لك. {وفي أنفسهم} عبرة الإنسان بجسمه وحواسه وغريب خلقته وتدريجه في البطن ونحو ذلك، وهذه آيات قد كانت مرئية، فليس هذا المعنى يجري مع قوله: سنري والتأويل الأول أرجحها، والله أعلم. والضمير في قوله تعالى: {أنه الحق} عائد على الشرع والقرآن، فبإظهار الله إياه وفتح البلاد عليه تبين لهم أنه الحق.
ثم قال تعالى وعداً لنبيه عليه السلام: {أولم يكف بربك} والتقدير: أولم يكف ربك، والباء زائدة للتأكيد، وأنه يحتمل أن يكون في موضع رفع على البدل من الموضع، إذ التقدير: أولم يكف ربك، ويحتمل أن يكون في موضع خفض على البدل من اللفظ، وهذا كله بدل الاشتمال، ويصح أن يكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجر، أي لأنه على كل شيء شهيد.
وقرأ الجمهور: {أنه} بفتح الألف، وقرأ بعض الناس {إنه} بكسرها على الاعتراض أثناء القول.
وقوله: {ألا} استفتاح يقتضي إقبال السامع على ما يقال له، فاستفتح الإخبار على أنهم في شك وريب وضلال أداهم إلى الشك في البعث.
وقرأ جمهور الناس: {في مِرية} بكسر الميم. وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن: {في مُرية} بضم الميم، والمعنى واحد، ثم استفتح الإخبار بإحاطته بكل شيء على معنى الوعيد لهم، وإحاطته تعالى هي بالقدرة والسلطان، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم.
نجز تفسير سورة {حم} السجدة، والحمد لله رب العالمين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5